«على قدر حلمك تتّسع الأرض» قالها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، أيّام قليلة فقط تفصلنا عن بداية العام الجديد الذي يتمنّى كل إنسان منّا أن يحمل له الخير والبركة، وأن يستطيع أن يُعوّض فيه كل الإخفاقات التي عاشها في العام السابق، حيث يعتبر التخطيط للعام الجديد وترتيب الأولويات عاملًا أساسيًا من عوامل النجاح، فهناك من يجلس مع نفسه في نهاية كل عام ويرتب أفكاره ويعيد حساباته لتقويم ما أنجزه خلال العام الماضي، ووضع خُطة مستقبلية لأهدافه وخط سير حياته في العام الجديد والآلية التي تمكنه من تحقيقها وبلوغها، ليعرف خُطواته في المُستقبل.
وبحسب رأي الكثير من الخبراء والمختصين فإن التخطيطَ الشّخصي هو حَجرُ الزاوية في حياتنا، فمن خِلاله نستطيع أن نرسُمَ لأنفسنا مَسارًا وطريقًا للنّجاح المَضمون، وذلك باتباع استراتيجية تقسيم العام إلى فترات متوازنة؛ إذ لا يُمكن أن نحكم على عام بأكمله بأنه فاشل أو ناجح بشكل مطلق، لا بد أن جميعنا قد مرّ بمزيج من الأمْرين؛ لذا فحتى يكون حكمك منطقيًا لا بد أن تتناول كل شهر بمفرده وتراجع أحداثه وماذا أنجزت فيه خلال العام.
ولكلٍّ مِنا طموحه ورغباته وأُمنياته في الحياة، كل إنسان يرغب في أن يكون ذا مكانة وشأن رفيع في المجتمع، فالجميع يحلم بأن يكون شخصًا مرموقًا يُشار إليه بالبنان، وبالطبع هذا كله لا يأتي فجأة، بل بالبناء المتواصل والمتراكم حتى يتمكن الفرد من تحقيق ما عجز عنه الآخرون، والتاريخ البشري مليء بِسيَر العُظماء والعُلماءِ الذين بدؤُوا من حال متواضعة، ومن ثم وصلوا إلى ما وصلوا إليه، بفضل الإرادة والهمة العالية التي حملوها.
ويتناسَى كثيرون في زحام الحياة الدائم الجانب الشخصي أو العائلي عند تقييم إنجازاتهم، وينحصر مفهوم الإنجاز لديهم في الحصول على ترقية بالعمل أو الحصول على شهادة مهنية وغيرها، بالرغم من أنَّ الإنجازات الشخصية هي الأهم في الحُكم على مدى نجاحك في عامك أم لا، مثلًا تلك الأشياء الإيجابية التي حدثت لأحد أفراد عائلتك وكنت أنت سببًا فيها هي جزءٌ رئيس من إنجازاتك، تذكَّر أن تُظهرها وتُشعر نفسك بقيمةِ ما أنجزت.
وفي استهلال عامنا الجديد ينبغي على الجميع أن يقدم لنفسه في أوله كشف حساب دقيقًا عن العام المنصرم فلابد أن تثير مع نفسك سيلًا هادرًا من الأسئلة وأنت تُغادر هذا العام… لماذا؟ وكيف؟ فمشاعر العام المُنصرم ينبغي ألا تظل داخلك أو معك ولا تحملها وأنت على أعتاب الدخول إلى العام الجديد، حتى لا تُصبح عبئًا عليك، لذا اسأل نفسك هل تحققت أهدافك وطموحاتك، أم أنها كانت مجرد تخطيط على الورق، وأمنيات لم تلامس الأرض؟ هل سنحت لك الظروف بتحقيق أحلامك وقطفت تلك الثمار الناضجة التي عملت لأجلها طوال عام بأكمله أم أنها بقيت على الأشجار ولم تتمكن من تناولها؟ هل أتممت وأنجزت ما قد نويت وابتدأت.. أم استسلمت للتحديات والعراقيل؟ لا بد هنا من وقفة مع النفس..!
ويحتاج الواحد منا أيضًا في بداية العام الجديد، أن يجلس جلسة صريحة مع نفسه، لا يجامل فيها ذاته، إنما يتفحص فيها تقويم حياته بكل قصور في تحقيق الأهداف، ليرى كيف تسير أموره، وإلى أي مصير تؤول؟ يراجع فيها أعماله وإنجازاته وأهدافه ونجاحاته وإخفاقاته ونقاط قوته وضعفه وواجباته ومدى أمانته في عمله، ونقاء أفكاره وطهر مشاعره وتصرفاته وعلاقاته مع الآخرين، ودراسة العوائق التي وقفت أمامنا خلال السنة الماضية وحالت دون تحقيقنا لأهدافنا، كل هذه التساؤلات وغيرها سنحاول الإجابة عنها في مقال الأسبوع القادم الذي سيكون بعنوان: «عام جديد» ماذا أعددت…؟
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر