لا شكَّ أنَّ خدمة المواطن، في معاملاته اليوميّة لدى مؤسسات الدولة، تتطلب وجود موظف قادر على سرعة تقديم الخدمات، وَفق أفضل الممارسات مع ضمان نجاعتها وتلبيتها احتياجات وتطلعات الناس، بعيدًا عن آفتَي الواسطة والمحسوبية، ما يعزّز من مستويات الثقة بين المواطن وهذه المؤسسات، من خلال وجود جهاز إداري ذي كفاءة وفعّال، يتسم بالحوكمة، يعظم موارد الدولة، ويحسن إدارتها، ويتسم بالنزاهة والشفافية، والخضوع للرقابة والتقييم والمُساءلة، وتقديم خدمة مميزة وسهلة وبسيطة للمواطن.
وبما أنَّ إنشاء المكتب التنفيذي، لرئيس مجلس الوزراء جاء وفق توجيهات حضرة صاحب السّموّ الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى بتقديم الأفضل لدولة قطر، يأتي السؤال الآن من أين نبدأ في الإصلاح والتطوير الإداري؟ لعل البداية تكمن في الخروج بخُطة زمنية واضحة، ذات إجراءات محدّدة، لمراجعة وإصلاح وتطوير الأنظمة الإداريّة لمختلف مؤسسات الدولة، بحيث تكون كل وزارة مسؤولة عن المؤسسات التابعة لها، لنصل في النهاية إلى دليل عمل إداري شامل ملزم لكل مؤسسة، على ألا يتعارض مع القوانين والأنظمة النافذة، خصوصًا قانون العمل ونظام الخدمة المدنيّة.
وعمليات الإصلاح الإداري التي نحتاجها اليوم، لا بد أن يكون الهدف منها إدخال تغييرات أساسية في أنظمة الإدارة العامة، بما تكفل تحسين مستويات الأداء، ورفع كفاءة النظم الإدارية القائمة، من خلال تغيير المعتقدات والاتجاهات والقيم والبيئة التنظيميّة، وجعلها أكثر ملاءمة مع التطوّر التكنولوجي الحديث، وتحديات السوق وتخفيض نسبة القلق لدى المواطنين، وإحداث نقلة نوعية في تقديم الخدمات، مع تقليص التكاليف وتحويل إدارة الخدمات، من أسلوب البيروقراطية إلى الأسلوب التجاري أو الاقتصادي، سواء عن طريق التخصيص أو عن طريق التشغيل الذاتي لخدماتها، بإيجاد أساليب أكثر مرونة.
وقبل البدء في عملية الإصلاح الإداري، يجب علينا تحديد مواطن الخلل والقصور في مؤسسات الدولة، والاعتراف بها للعمل على مُعالجتها، وإرساء وتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة كمبدأ أساسي في عمل وأداء مؤسساتنا، وفي جميع طبقات ومراحل الإدارة الحكومية، بحيث يكافأ الموظف على إنجازه، وتتم مساءلته ومحاسبته على تقصيره وإهماله، كما يجب على مؤسساتنا الحكوميّة وضع رؤية واضحة، وخريطة طريق، وأهداف محدّدة، تمكّن هذه المؤسسات من تحقيق أهدافها، وقياس نسبة الإنجاز والأثر، للوصول إلى أرقى معايير النزاهة والشفافية، وأعلى مستويات الخدمة المقدّمة للمواطنين.
وتكمن أهمية إنشاء المكتب التنفيذي التابع لرئاسة مجلس الوزراء في الإشراف ومتابعة جميع البرامج والمشاريع التي تنفذها الجهات الحكومية والوزارات والهيئات والمؤسسات، وتسريع وتيرة العمل بها دونما تقصير أو تأخير، لكون العام 2022 بداية انطلاقة حقيقية وجديدة للمشاريع القائمة أو المزمع تنفيذها والانتهاء منها، استعدادًا لاستضافة الدولة أحداثًا مهمة، كما أنّ المكتب التنفيذي سيتولى مهام عرض الصعوبات والمشاكل والتحديات وغيرها من المعوقات التي تعترض التنفيذ، على معالي رئيس مجلس الوزراء، وذلك عند تعذر مواجهتها، مشفوعة بالحلول والمعالجات والمُقترحات المناسبة.
وبما أن قرار المكتب التنفيذي يؤسّس لمرحلة جديدة من التطوير الإداري للقطاع الحكومي والارتقاء بأداء مختلف الأجهزة والمؤسسات الحكومية للأفضل ويجعلها أكثر مرونة وحداثة وسرعة في إنجاز المعاملات، لا بد أن يكون أعضاء هذا المكتب بعيدين كل البعد عن الوزارات والمؤسسات التي تخضع لرقابة المكتب التنفيذي التابع لمعالي رئيس مجلس الوزراء، حتى لا يحدث تداخل مصالح، لأنه في حال كان المسؤول في المكتب التنفيذي من الوزارة ذاتها قد تكون هنالك بعض المجاملات والمحاباة، ونحن نحتاج في هذه المرحلة إلى الشفافية حتى تكتمل عملية الإصلاح الإداري بالشكل المطلوب، والشفافية تقتضي أن يكون المسؤول في المكتب التنفيذي بعيدًا عن الجهة المراد مراقبتها وتطوير الأداء فيها، من خلال الخُطة التفقدية المتعلقة بجمع وحصر البيانات، ثم وضع المعالجة والحلول المناسبة التي ترضي تطلعات ورغبات الجمهور، بالتالي نستطيع فعلًا بهذه الطريقة الوصول إلى الشفافية البعيدة عن المحسوبية.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر