يعكسُ شعارُ اليومِ الوطني «وحدتنا مصدر قوتنا» مدى تكاتفِ الشعبِ القطريِّ والتفافِه حولَ القيادة الرشيدة، كما يُعبِّر عن السمة الأساسيَّة في القطريين التي مكَّنتهم من مواجهةِ التحدياتِ، حيثُ تحوَّلت الوَحدة إلى قيمةٍ ثابتةٍ، في الوعي والسلوك القطري تنتقلُ من جيلٍ إلى جيلٍ، إذ يكمن سرُّ نجاحِنا في تكاتفنا ووقوفنا صفًا واحدًا.
ولا شكَّ أنَّ الاحتفالَ باليومِ الوطني للدولة يُمثلُ حافزًا للشعبِ القطريِّ، لاستلهامِ واستخلاصِ الدروسِ والعِبرِ، التي تتلخصُ في ضرورةِ الإصرارِ على العمل، وتجديد العهد والوعدِ على ترسيخِ معاني الفخر والانتماءِ والوفاء للوطن، في ظلِّ القيادةِ الرشيدةِ لحضرة صاحب السُّموِّ أمير البلاد المُفدَّى، والتي تضعُ في صدارة أولوياتِها بناء الإنسانِ القطريِّ القادر على تحمُّل مسؤولياتِه الوطنيَّة، والسير على نهج الرعيل الأوَّل من القادة الأوفياء، لمُواصلةِ مسيرةِ البناءِ والتطوُّر والتقدُّم والازدهارِ التي تعيشُها دولة قطر.
وتُساهمُ الاحتفالاتُ الخاصَّةُ باليوم الوطني في تعزيز الهُوية القطرية، وتنمية الحسِّ الوطني للشباب والنشء على وجه الخصوص، لأنَّها تستعرضُ أمامهم جانبًا من تاريخ آبائهم وأجدادهم التراثي والثقافي في العديد من المجالات، فالشباب عندما يُشاهدون مثلَ هذه الفعالياتِ يُدركون أنَّهم ينتمون إلى وطنٍ له تاريخٌ، وذلك ما يُميزُ احتفالاتِ قطر بيومِها الوطني عن غيرِها من البلدانِ، فعلى سبيلِ المثالِ، الفعالياتُ الشعريَّة التي تتضمنها الاحتفالاتُ تُنمِّي مَلَكة الشعر لدى أبنائنا، كما أنَّها تُعد فرصةً للشعراء القطريين لإبراز مهاراتِهم الشعرية بهذه المُناسبة السَّعيدة والغالية من خلال القصائدِ التي تتغنَّى بحبِّ الوطن وإنجازاتِه.
وبلا شكٍّ كلما زاد عددُ الفعاليات التراثيَّة التي تتضمنها احتفالاتُ اليوم الوطني، سلطَ ذلك الضوءَ بشكلٍ أكبرَ على ما أنتجه الشعبُ القطري من موروثاتٍ ثقافيةٍ وحضاريةٍ، وما قامَ به الأجدادُ في هذا الشأن، فالاحتفالُ بالتراثِ من خلالِ فعالياتِ درب الساعي لا يُغني على الإطلاقِ عن الاحتفاءِ بما أنجزَه المواطنُ القطريُّ في الحاضر، بل يجبُ أن يتم المزجُ بين الاثنَين أثناءَ الاحتفال بحيث يكونان في مكانٍ واحد، ومن شأنِ الجمع بين الاحتفالِ بالتراث والاحتفالِ بالإنجازاتِ الحديثة أن يُعرِّفَ هؤلاءِ النشءَ أن ما وصلوا إليه في الحاضر من نهضةٍ عمرانية وتعليميةٍ وثقافيةٍ ورياضيةٍ واقتصادية وسياسية إنما له جذورٌ، وهذه الجذورُ تتمثلُ في التراثِ الذي يُشاهدونَه في الفعاليات التي تُقام سنويًا.
الانتماءُ للأوطانِ لا يكونُ بالشعارات فقط، وإنما بالبذلِ والجهدِ والتّضحياتِ، كما يقولُ أميرُ الشعراء أحمد شوقي:
«وللأوطان في دم كل حرٍ
يد سلفت ودَّيْن مستحقّ». فالعملُ على المُشاركةِ الإيجابيَّة في مسيرة النّهضة وتكريس الجهود للعمل المُثمر الهادف الذي يُساهمُ في رفعةِ وبناءِ الوطنِ بمثابة ردِّ للدَّيْن، لنهيم عشقًا بوطنِنا الغالي، وهو يُحقِّق الإنجازات تلوَ الإنجازاتِ، خصوصًا بعد أن كسبت قطر الرهان ورفعت رأسَ العرب عاليًا باستضافتِها بطولةَ كأس العالم وتقديم نسخة استثنائية بشهادة الجميع.
والوطنيةُ لا تحتاجُ إلى مُختبر علمي لقياسِها وإثباتِها، ولكنها جزءٌ من الإيمانِ، تستقرُّ في القلب وتنطق بها الجوارح، لذلك فالمقياسُ في الوطنيّة هو دائمًا في ميدان الأفعال ولا يقتصر على الأقوال، نقول هذا الكلام تذكيرًا وتبصيرًا لمن نَسي بيننا أن مقولة الرئيس الأمريكيّ الراحل جون كينيدي: «لا تسأل ماذا قدَّم لك وطنك، بل اسأل ماذا قدمت أنت لوطنك»، تصحّ علينا جميعًا في علاقتنا بوطننا الحبيب مثلما تصحُّ في علاقة أي إنسان بوطنه، فالانتماء للأوطان هو حالة من الحبّ مُتبادلة بين الإنسان ووطنه وأهل بلده وأرضه.
وكل عام وأنتم بألف خير.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر