أغلبُ الأشخاص لا يستطيعون الفصل بين الإجازة والعمل، فهم لا يُدركون القيمةَ والفائدةَ الحقيقيةَ من الإجازات، وكل ما يفعلونه هو ترك أعمالهم، ولكن دون ترك التفكير فيها، أو استخدام الهاتف لفترات أقل للاسترخاء، لذلك يجب علينا أن نُدركَ الاستمتاع، وقضاء الإجازة الصيفية بالطريقة الصحيحة، وهذا هو الفارق بيننا وبين الغرب، فهم يقضون إجازتهم فعليًا، على عكسنا، فنحن لا نقوم بأي أنشطة ممكن أن تؤدّي للاسترخاء.
الإجازة هي بمثابة طاقة للإنسان، ليواصلَ حياتَه في الفترة القادمة بصورةٍ أفضل، وهذه الطاقة التي يكتسبها في الإجازة تُجدِّد علاقاتِه ونشاطَه، فهي ليست عطلةً أو توقفًا عن العمل، وإنما فيها عمل، ولكنه عمل مُمتع ومُسلٍّ، يُساعد الناس على تجديدِ نشاطِهم وحيويتِهم، واستعادة وجه الحياة بصورة إيجابية، حتى يعودوا إلى بيئة عملهم، ومدارسهم بعد انقضاءِ العطلة، وهم أكثر استعدادًا لمواصلة مهامِهم الوظيفية، والدراسية بكفاءة.
وتؤكد النظريات التربوية والنفسية أن الاهتمام بالجانبَين الترفيهي والتعليمي لأبنائنا يُسهم بصورة كبيرة في بناء شخصيتهم وتطويرها، وتدعيم إرادتهم وطاقتهم نحو النجاح والعيش بإيجابية في الحياة، حيث تُسهم الأنشطة الصيفية خلال الإجازة في استثمار وتوجيه طاقات الشباب، لكونها الحاضنة لهم والمُطوّرة لأفكارهم والداعمة لمواهبهم، كما تتمثلُ قيمتها كذلك في أنها مُلتقى لكثير من المواهب والخبرات، وكذلك تعتبر بيئةً مُحفزةً وداعمةً لهذه الفئة، خصوصًا أنها تُعبّرُ عن طاقاتهم وابتكاراتهم وإبداعاتهم في مجالات الترفيه. والعطلة لا تعني بأي حال من الأحول أن يتعطلَ الطالب عن العمل ويركنَ إلى الراحة، فالعبث والسهر والخروج دون هدف لا يُحقق له المتعة المطلوبة، لكن حصيلة ما تعلّمه من مهارات حياتية، بواسطة أنشطة مُفيدة هو الذي يُساهمُ في حصوله على الرفاهية، فالشباب قوة، والوقت ثروة، والجهد طاقة، والعمل ثمرة، يجب أن يُساعدهم عليها الكبار في ألا يهدروها، إذ تُشير الكثير من الدراسات إلى أن جميع الأهداف التي يأملها التربويون من مُشاركة التلاميذ والطلاب في الأنشطة الصيفية، تتلخص في تكوين الشخصية المُتكاملة المُتوازنة، واستثمار أوقات فراغهم في برامج هادفة ومُفيدة للكشف عن مواهبهم وقدراتهم وصقلها وتنميتها، بالإضافة إلى إكسابهم المهارات والعادات التي تُساعدهم ليكونوا أعضاء فاعلين في المُجتمع.
ولا شكَّ أن أبناءنا يمتلكون طاقات كبيرة نحو الحياة اليومية، وهذه الطاقة يجب أن تُستثمر، وألا يُكبتَ مستواها لدى الطفل، بالإضافة إلى أنه يحمل في ذاته مخزونًا من الضغط النفسي الذي تتراكم خلاله طاقته نتيجة الضغوط الدراسية والاجتماعية لأشهر السنة الدراسية؛ فالجانب الترفيهي في الأنشطة الصيفية مُهم كونه يقوم على تفريغ طاقات الطفل وضغوطه النفسية، ويُجدد طاقاته الإيجابية، ما يسمح له بالحصول على مزيدٍ من ألوان النجاح والفاعلية.
وفي اعتقادي أن أهم عنصر تستند إليه الأنشطة الصيفية هو الترفيه، وتحقيق أوقات لطيفة مُفيدة مُناسبة للطفل في أعماره المُختلفة، هنا يتحققُ هدف الدعم النفسي للطفل بتخلّصه من الطاقات السلبية والطاقة الزائدة عن طريق الترفيه والتحرّر من أي قيود تؤثر على قدرته نحو الإبداع والتعبير عن الذات، كما أن الإجازة الصيفية تُمثل فرصةً رائعةً للتعرف على المهارات والهوايات التي يتمتعُ بها أبناؤنا الشباب والأطفال ومُساعدتهم على الوقوف على نقاط القوة لديهم، لذلك تُعد الأنشطة الصيفية خلال فترة الإجازة من أهم الوسائل التربوية التي تُساهمُ في بناء وتربية الطلاب في جميع المراحل التعليمية، على الجوانب العقلية والنفسية والبدنية والاجتماعية كافة، بالإضافة إلى الخبرات المُتنوّعة المُكتسبة، عن طريق مُمارستهم الأنشطة المُختلفة، حيث يمر هؤلاء التلاميذ بأهم مرحلة في حياتهم، وهي المُراهقة التي تنعكسُ سلبًا أو إيجابًا على حياتهم المُستقبلية، شبابًا ورجالًا في المُجتمع.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر