يُعدُّ مهرجانُ محاصيل الذي تحتضنُه «كتارا» بالتعاون مع البلديَّة وملتقى المزارعين القطريين، منفذًا ونقطةَ توزيعٍ للمزارعين لعرض جميع أنواع منتجاتهم في المهرجان، الذي يُعتبرُ من أنجحِ الأسواق لبيع الخضراوات؛ حيث تتميز النسخةُ السابعةُ بمشاركة «28» مزرعةً محلية، و«8» مشاتل، إلى جانب «6» شركات مُتخصصة في الدواجن واللحوم والألبان.
وفي اعتقادي أنَّ هناك أهمية كُبرى لتفعيل دور ملتقى المزارعين، خاصةً في ظلِّ وجود تحديات ومعوقات تعترض طريقَ المزارعين، يأتي على رأسها تسبُّبُ الأمطار التي تساقطت على البلاد مؤخرًا في غرقِ بعض المزارع والعزب التي تقع في مناطقَ منخفضةٍ، وضعف البنية التحتية والطرق المؤدية إلى المزارع، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المياه والتكلفة العالية لإقامة البيوت المحميَّة، والعمالة غير المدرّبة التي تنقصها المقومات الزراعية، فضلًا عن الأجواء المناخية من ارتفاع حرارة الجو في الصيف، وزيادة نسبة الرطوبة، والتسويق، والتلاعب بأسعار المنتج المحلي في المزاد الرسمي لبيع الخضراوات، وغيرِها من التحديات.
فوجودُ ملتقى مؤثر وقوي للمزارعين يناقشُ قضاياهم ويبحثُ عن حلول للتحديات التي تواجهُهم سيساعد في انتشارِ المزارعِ النموذجيَّة، ويساهم في تلبية مطالبات المزارعين بتشريع أو قانون ينظِّم عمل المزارع، ويمنع تحويلها إلى أي نشاط آخر، ويشجع المُستثمرين في المجال الزراعي، بالإضافة إلى تحفيز ودعم المزارعين لزيادة الطلب على الاستثمار الزراعي، كما أنَّ وجود مثل هذا الملتقى سيشجع أصحاب المزارع المهجورة على تحويلها إلى منتِجة من خلال الاتفاق مع رجال الأعمال والمستثمرين نظير ربح معين يُتفق عليه بين الجانبَين.
ومن أهم الأمور التي يجب مناقشتُها في ملتقى المزارعين كذلك، موضوع مساعدة المنتجين على عرض منتجاتهم الوطنية بأفضل المُمارسات والطرق التسويقية، خاصةً أن الدولة لديها استراتيجيةٌ واضحة تتمثل في رؤية قطر 2030 التي يعدُّ من أهم ركائزها الاهتمام بالمنتج الوطني ودعمه؛ كونه يساهمُ في خلق أنشطة اقتصادية مهمة من شأنها أن تعزز مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي ويدعمُ تنافسية الاقتصاد الوطني.
والزراعة اليوم علمٌ وتجرِبةٌ وتقنيات حديثة، وعلينا مواكبة ذلك، ولن نواكبه إلا من خلال ملتقى متماسك للمزارعين يتبنَّى متطلباتهم ويعمل على تلبيتها؛ ابتداءً من توفير السماد والبذور، مرورًا بتقديم النصح والإرشاد والتثقيف الزراعي، وانتهاءً بتقديم الدعم والتكنولوجيا الحديثة لاستخدامها في الزراعة والبحث عن أساليبَ حديثة للتطوير.
والأمنُ الغذائي لن يتحقق بشكل كامل، ما لم تهتمّ الجهاتُ المعنيةُ بوسائل الإنتاج الزراعيّ، من ناحية التوسع في استخدام التقنيات الحديثة في الري والزراعة، وزيادة الدعم المُخصص لأصحاب المزارع المُنتجة، وتحويل جميع البيوت المكشوفة إلى بيوت محمية مغلقة مُنتجة طوال العام، وإلزام أصحاب المزارع غير المُستغَلة بتحويلها إلى مزارع منتجة، وتوصيل البنية التحتية التي تشمل شبكتَي المياه والكهرباء إلى كافة مزارع قطر.
كما يتطلب الأمر في الوقت الراهن إصدار تشريعات وقوانين لحماية المُنتج المحلي ليحصل على فرصته في السوق مثل المنتج المستورد، فضلًا عن تسهيل إجراءات الحصول على تراخيص إقامة المزارع وآبار المياه، وفتح حوار مع أصحاب المزارع المحليَّة لاستطلاع آرائهم وتطلعاتهم في خُطَّة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعيّة، باعتبارهم عنصرًا أساسيًا في توفير عنصر الأمن الغذائي، خاصةً في ظل الوضع الراهن لأصحاب المزارع الذين يواجهون العديد من التحديات التي تعوق مسيرة القطاع الزراعي، وكذلك تسهيل عملية سداد قروض بنك التنمية للمزارعين، من خلال توفير تمويلات ميسَّرة لمشاريع القطاع الزراعي بمَا يساهم في العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بمنح تمويل لأصحاب المزارع والعزب، بهدف تشجيع المزارعين على النهوض بحجم إنتاجي أفضل، بالإضافة إلى إنشاء بيوت محمية واستخدام أنظمة ري حديثة.
والله ولي التوفيق.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر