تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

قرأتُ كثيرًا عن روعة الصحراء القطريّة وما تزخر به من مواطن جمال وإثارة وغموض، حيث كشف أحد التقارير الإعلاميّة مؤخرًا، عن دلائل قويّة على وجود واحة عمرها أكثر من 3600 عام على مساحة من 2 إلى 3 كيلومترات جنوب قطر، ما يفتح الباب على اكتشافات خاصّة بالزراعة واستخدام المياه الجوفية في شرق شبه الجزيرة العربيّة.

وتمكّن الباحثون في كلية الهندسة بجامعة جنوب كاليفورنيا، من اكتشاف المنطقة ذات المناظر الطبيعيّة عن طريق الصدفة، خلال البحث عن مصادر المياه الجوفية في شرق شبه الجزيرة العربية، باستخدام رادار متطوّر للأقمار الصناعية، وبحسب الدراسة التي نشرها العلماء في المجلة الرسمية للجمعية الدولية لتحليل صور الأقمار الصناعية والاستشعار عن بُعد (ISPRS)، وهي المجلة الأقدم في تحليل صور الأقمار الصناعية وأكثرها انتشارًا، فإن سكان هذا المكان في الماضي كان لديهم فهم متطوّر لكيفية استخدام المياه الجوفية، كما يشير البحث إلى الحاجة الماسّة لدراسة المياه والوقاية من التقلبات المناخيّة في المناطق الجافة.

وأطلق العلماء على هذا الاكتشاف اسم «المخفية»؛ لأنها غير مرئية، باعتبار أن الموقع أقرب إلى «قلعة طبيعية محاطة بتضاريس وعرة للغاية»، ما يجعل الوصول إليها غير ممكن تقريبًا، مؤكّدين أن المسح الكربوني المستقل لعينات الفحم المسترجعة من الموقع لا يقل عمره عن 3650 عامًا، ويحتمل أن يعود تاريخه إلى نفس حقبة «حضارة دلمون»، وهي حضارة قديمة في شرق الجزيرة العربيّة في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وعرفها العالم بأرض الفردوس، وبالتالي سيكون لهذا الاكتشاف آثار تاريخيّة وعلميّة كبيرة، أبرزها أنه سيكون أول دليل على وجود مجتمع مستقر في المنطقة، وربما سيكون دليلًا على هندسة متقدّمة لهذه الفترة الزمنيّة.

وتشكّل الآثار القديمة خاصة تلك التي تتميّز بالهندسة الفريدة، والتقنيات المبدعة، والرسومات المبهرة، والأدوات الدقيقة إرثًا تاريخيًا وحضاريًا لأي دولة، ليس هذا فحسب، بل إن بعضًا من هذه القطع المكتشفة يشكل ألغازًا، وغموضًا، ولا يزال يحير العلماء، لذلك يُنسج حوله الكثير من الأساطير والتفسيرات الخيالية والعلمية، ربما يكون بعضها قريبًا من الحقيقة، وهنا الكثير من الأمثلة على هذه الاكتشافات الأثرية المميّزة التي ربما تعيد كتابة تاريخ الكثير من الأمور، وتمهد الطريق لفهم أعمق للحضارات القديمة، ما سيمكّن متاحف قطر من تتبع أثر تلك الحضارات في تشكيل تراث قطر، باعتبار أن الأراضي القطرية زاخرة بالمواقع الأثريّة، التي تحمل شواهد كثيرة تدل على الاستيطان البشري الضارب في عمق التاريخ لهذه المنطقة.

ولا شك أن الاكتشافات الأثريّة الجديدة والمتواصلة تساهم في معرفة طبيعة الجغرافيا القطرية قديمًا، وتساعد في فهم التاريخ القطري القديم، حيث يكرّس علماء الآثار حياتهم لمحاولة العثور على اكتشافات حتى لو كانت صغيرة عن التاريخ، إلا أنه في بعض الأحيان، يعثر على أعظم الاكتشافات الأثريّة أشخاص عاديون بالصدفة البحتة، ومن المفارقات أنهم يكتشفون أسرارًا عن الماضي أكبر مما يمكن أن يقضيه متخصص طوال حياته المهنيّة، باعتبار أن الحياة في قطر مزيجٌ من الحداثة والتقاليد المستمدّة من ثقافتنا العريقة، فبينما تكتسي مدننا بطابع حديث متطوّر يتجلّى في المرافق والبنية التحتيّة، ما زال تراثنا وتقاليدنا وثقافتنا متجسّدة في كل ما نقوم به، وفي جميع التفاصيل المُحيطة بنا، لذلك ما تقوم به متاحف قطر وسعيها نحو الاكتشافات التراثيّة للتعرّف على سكّان هذه الأرض قبل آلاف السنين، ما هو إلا جزء من نشاط كبير تبذله الدولةُ في مجال البحث الأثري.

والله ولي التوفيق،،

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر