تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

الانتماءُ للأوطانِ يكون بالبذلِ والجهدِ والتّضحيات، كما يقولُ أميرُ الشعراء أحمد شوقي: «وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحقّ»، فالعملُ على المُشاركة الإيجابيّة في مسيرة النّهضة وتكريس الجهود للعمل المُثمر الهادف الذي يُساهم في رفعة وبناء الوطن بمثابة ردّ للدَّيْن، لنهيم عشقًا بوطننا الغالي، وهو يحقّق الإنجازات تلوَ الإنجازات.

وبإمكان كلّ وطنيّ غيور أن يخلص من موقعه لهذا الوطن العظيم، ويُساهم في رفع شأنه، فالوطنُ ليس مجرّد تراب أو أشجار، أو جبال، أو أنهار أو بحار، أو شمس أو هواء، الوطن بأبنائه وبناته الشرفاء المُخلصين، المؤمنين بقوانينه وباحترام أنظمته، والدفاع والتضحية من أجله، فالوطن يعلو ولا يُعلى عليه، كما أنّ المقيمين على أرض هذا الوطن الغالي، بإمكانهم أن يعبّروا عن حبّهم لهذا الوطن، وذلك بالإخلاص والتّفاني في العمل.

والعطاءُ للوطن يجب ألا تحدّه حدود، فهو واجبٌ وطنيٌّ على كل فرد يعيش في أرض الوطن، مهما كان جنسه أو سنّه أو قدرته أو نوع عمله، فالجميعُ سواسيةٌ غير معفيّ بحسب قدراته وإمكاناته، والعطاء للوطن أولًا وقبل كل شيء يكون حبًا كبيرًا يغمر النفوس ويستولي على شغاف القلوب، حبًا يجعل الوطن هو الأسمى والأعلى والأحق بكل معاني الحب والإخلاص، حبًا يجعل الإنسان يهبّ للدفاع عن وطنه وهو يتقدّم الصفوف الأماميّة.

والوطنيةُ لا تحتاج إلى مُختبر علمي لقياسها وإثباتها، ولكنها جزءٌ من الإيمان، تستقرّ في القلب وتنطق بها الجوارح، لذلك فالمقياسُ في الوطنيّة هو دائمًا في ميدان الأفعال ولا يقتصر على الأقوال، نقول هذا الكلام تذكيرًا وتبصيرًا لمن نسي بيننا أن مقولة الرئيس الأمريكيّ الراحل جون كينيدي: «لا تسأل ماذا قدّم لك وطنك، بل اسأل ماذا قدمت أنت لوطنك»، تصحّ علينا جميعًا في علاقتنا بوطننا الحبيب مثلما تصحّ في علاقة أي إنسان بوطنه.

ولا شك أنَّ الاحتفال باليوم الوطني للدولة يمثل حافزًا للشعب القطريّ، لاستلهام واستخلاص الدروس والعِبر، التي تتلخص في ضرورة الإصرار على العمل، وتجديد العهد والوعد على ترسيخ معاني الفخر والانتماء والوفاء للوطن، في ظلّ القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السّموّ الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى، التي تضع في صدارة أولوياتها بناء الإنسان القطريّ القادر على تحمّل مسؤولياته الوطنيّة، والسير على نهج الرعيل الأوّل من القادة الأوفياء، لمُواصلة مسيرة البناء والتطوّر والتقدّم والازدهار التي تعيشها دولة قطر.

القُرّاء الأعزاء.. الانتماء للأوطان هو حالة من الحبّ متبادلة بين الإنسان ووطنه وأهل بلده وأرضه.. كان الرسول عليه الصلاة والسلام عندما يمرّ على جبل أُحد يقول: (هذا جبل يحبنا ونحبّه)… وهذا من أجمل الأقوال في مبادلة الحب والمحبة بين الأرض والإنسان.. وبين المواطن والأوطان.. فهي حالة من الحب والإخلاص المشترك للأوطان وأهلها والوفاء لغاياتها وأهدافها وتطلّعاتها بعيدًا عن مقاييس الربح والخسارة وتصنيفات الجاه والمال والمكانة الاجتماعيّة.

فهي ليست مسألة تتعدّد فيها الآراء ووجهات النظر.. وليست من القضايا والأمور التي تحتمل المساومة أو المراوغة، كما أنَّ مصالح الأوطان لا تُقاس بمدى ما تحقّقه لفرد ما أو جماعة ما، من مصالح مادية وسياسيّة أو مكتسبات طائفيّة.

جعلنا الله وإياكم من أهل الوفاء والانتماء، وأدام على وطننا الغالي قطر الأمن والأمان والعزّة والرفاه ومشاعر المحبة والتكافل الاجتماعيّ والوطنيّ التي مهما أصابتها الظروف إلا أنّها تبقى على أصالتها ومتانتها وقوّتها وعُروتها الوثقى التي نجتمع كلنا في ظلالِها.

والله ولي التوفيق،،

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر