ظاهرة الطلاق أضحت من المُشكلات التي تؤرق مضاجع مجتمعاتنا العربية، رغم أنها مشكلة ذات خصوصية، إلا أن تأثيرها يتعدى الفرد ليشمل المجتمع ككل، الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات، هل الطلاق سلاح يبرزه الرجل الشرقي لبسط نفوذه ولإثبات رجولته؟ أم أن المرأة العربية بإصرارها وعنادها المتكرر، هي المتسبب في وصول العلاقة إلى مرحلة الانفصال؟ وما دوافع الطلاق في مجتمعنا؟
يقول المتخصصون في مجال الاستشارات العائلية والأسرية، كثرت النساء العنيدات، فكثر الطلاق وتشتت الأولاد، وأضافوا: بارك الله في المرأة الهيّنة الليّنة، فهي التي تُعمر بيتًا مطمئنًا، أما النساء العنيدات فربما يفشلن في الزواج وفي العلاقات، فالمرأة التي تفتقد الذكاء العاطفي، والمرونة في التعامل هي الأكثر اكتئابًا، لأنها ستدخل في شد وجذب، وتتبع صوت أنانيتها لتغلبه، وفي الحقيقة هي تفشل أمام عدم تحمل زوجها وعناد من حولها، فالرجال يشتدون عنادًا أمام الزوجة العنيدة، أو الأخت العنيدة ويلينون أمام المرأة الهيّنة الليّنة.
وكثير من الروايات تمتدح المرأة الهينة اللينة التي تحتوي زوجها بلين وحكمة، تجعله يقدمها ويتمسك بها، فالمرأة التي تنحني لتمرّ العاصفة، هي المرأة الحكيمة العاقلة التي تعمر بيتها للأبد، أما المرأة التي تقف كالعود اليابس فهي التي تنكسر وقد لا ينجبر كسرها، لأن المرأة العنيدة المتشبثة برأيها، المؤمنة بمبدأ «أنا أغلب وأنت تخسر»، تدمّر نفسها قبل أن تدمّر الآخر، وتعيش حياة كلها حسرات تتجرّع مرارتها في الدنيا والآخرة.
في رأيي، من الضروري التصدي لهذه المشكلة، ومحاولة وضعها في إطارها العملي الصحيح تمهيدًا لطرح حلول تخفف نوعًا ما من نسبة الطلاق التي زادت في مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة، حيث يشير الخبراء والمُتخصصون إلى أن العناد والندية بين الزوج والزوجة، السبب الرئيسي وراء معظم الخلافات والصراعات الواقعة بين الزوجين، وهناك حالة من تصاعد حدة الندية بين الزوجين، وتحديدًا في السنوات الأخيرة.
ويرى الراصد لمُجريات العلاقة الزوجية في مجتمعاتنا، أن المرأة قديمًا كانت تمتلك ما يُسمى بالقوة الناعمة، وكانت تتفنن في التعامل بحرفيّة ودبلوماسية مع زوجها، وكانت العقل المُدبر لكل شؤون البيت، وتقوم بجميع التدابير، وهذه هي القوامة الحقيقية للزواج، لكن في هذه الأيام، ومع انتشار الثقافات وتطوّر التكنولوجيا والسوشيال ميديا، أصبحت المرأة تمتلك «قوة خشنة»، ما يؤدي إلى تدمير المنزل وحدوث الطلاق والانفصال.
ولكن بلا شك، إن الحياة الزوجية ليست صراعًا ولا منافسة بين الرجل والمرأة، بل هي تكامل وترابط وميثاق بين الزوج والزوجة، ولا بد لكل واحد منهما أن يكمل نواقص الآخر؛ حتى تسير الحياة الزوجية في جو من الهدوء والاستقرار، بعيدًا عن ارتكاب الأخطاء والهفوات التي قد تبدو صغيرة، ولكن مع مرور الوقت تتراكم هذه الأخطاء شيئًا فشيئًا ويتم تكرارها والإصرار عليها من قِبل أحد الزوجين، ما يسبب مشاكل ومشاحنات زوجية.
والكثير من التجارب الماثلة أمامنا يشير إلى أن أحد الأسباب الكامنة وراء إقدام الزوجين على الانفصال هو ضعف الثقافة الأسرية، وعدم معرفة كل منهما حقوق وواجبات الآخر، مع العلم بأن هناك «أخطاء صغيرة» يمكن التجاوز عنها إذا تم التعامل معها بحكمة ومرونة من جانب كل من الطرفين أو أحدهما، لكن للأسف الأخطاء البسيطة والتافهة والتصرّفات التي لا تستحق الوقوف عندها، أصبحت تقف وراء إقدام الأزواج والزوجات على الطلاق دون وضع أي اعتبار للعشرة الزوجيّة أو لوجود أطفال بينهم.
والله ولي التوفيق،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر