تظلُّ مهنةُ الطب في نظر الكثيرين من المهن التي تؤخِّر زواج صاحباتها إلى أجل غير مُسمَّى؛ حيث يعود عزوف الرجال عن الزواج من الطبيبة لاعتقادهم أنَّها مشغولة على الدوام، ما بين العيادة والمستشفى ومتابعة حالة المرضى حتى وقت متأخر من الليل، كما أنَّ إصرار الأهل على أن تكون ابنتهم طبيبة ناجحة يقف أحيانًا كأحد العوائق في طريق زواجها، فهم يرفضون ارتباطها بأحد زملائها في فترة الدراسة، رغم أن ارتباط الطبيبة بطبيب يحفزها أكثر على التفوق، لأنه يكون متفهمًا طبيعة عملها ومذاكرتها المستمرة، وبالتالي يتقاسمان الأعباء.
وهناك أعباء أخرى تؤدي إلى ارتفاع سن الزواج لدى الطبيبات؛ من ضمنها طول عدد سنوات دراسة الطب، التي تجعل الفتاة مكبلة دائمًا بالمذاكرة وتخشى أن يعطلها الارتباط عن حياتها العمليَّة، لدرجة أنَّ بعض الطبيبات يفضلن الزواج بعد الانتهاء من إعداد رسالة الماجستير، أي عند بلوغهنَّ الثلاثين، وغالبًا ما يكنّ محملات بأماني النجاح، ويسعين إلى إثبات الذات، لدرجة أن البعض قد ينسين أو يتناسين الزواج فترة من الزمن حتى ينجحن مهنيًا.
وفي اعتقادي أنَّ المهن التي تجعل الرجال عازفين عن الزواج من صاحباتها كثيرة وغير محددة، ويلعب فيها حب المرأة لعملها دورًا كبيرًا، فإذا أعطتها كل وقتها يشعر الرجل بالخطورة، ويخال أن تلك الفتاة لن تمنحه الوقت الكافي وستهمل أسرتها، ولكن هذه تظل مجرد افتراضات فمن الضروري أن يكون لدينا طبيبات قطريات، نتيجة للتغيرات التي تحدث في المنطقة وظروف الأمراض والأوبئة المفاجئة، وغيرها من الأمور التي تهدد صحة الإنسان.
لذلك لا بد أن يكون هناك جذب وتشجيع للقطريين من الشباب والقطريات وتقديم كل الدعم والمُميزات والحوافز، لأنَّ مهنة الطب من أشرف وأنبل المهن في العالم والحاجة الملحة للأطباء القطريين تساوي الحاجة إلى المدرسيين القطريين والمدرسات القطريات، لأنه إذا عاد المقيمون إلى بلادهم لن يبقى في البلد إلا أهلها، ولهذا يجب ألا نعتمد على الأطباء الذين نجلبهم للعمل عندنا فقط، وإنما نستفيد من خبراتهم وإمكاناتهم في تدريب وتأهيل الأطباء القطريين، خصوصًا الذين تخرجوا في جامعة قطر، باعتبارها الجامعة الوطنية الأولى في الدولة.
وبحسب مُعطيات الأمور فإنَّ كثيرًا من الشباب يفضلون زوجات أقل منهم في المستوى العلمي، وبعض الشباب لا يفضلون زوجة تخرجت في الجامعة، وانشغلت بعد ذلك بالعمل في المستشفيات وإعداد البحوث من أجل الحصول على الترقيات الوظيفية، بالرغم من أنَّ الإسلام لا يقف أمام تعليم الرجل والمرأة، وإنما يتطلب الأمر القليل من المرونة من الجهات المختصة مع الطبيبات اللائي يتعرضن لضغوط مهنية في سنِّ الزواج، فلو فرضنا أنَّ الفتاة قد أكملت دراستها بدون زواج، وأخذت الشهادات العُليا فكم يصبح عمرها؟ ومن سيتزوجها؟ بعد أن تخطت سن الزواج؟ فأغلب الرجال يفضلون الفتاة صغيرة السن، وتمتلئ البيوت بفتيات نادمات على رفضهنَّ الزواج في سنٍّ مبكرة بحجة إكمال الدراسة.
صحيح لم تصدر بيانات أو إحصاءات محددة حول ظاهرة تأخر الزواج عند الطبيبات في الدولة، ولكن بنظرة سريعة في أوساط معارفنا والدائرة الضيقة المحيطة بنا سنكتشف أن الطبيبة من أكثر الفتيات تعرضًا لعزوف الشباب عن الزواج منها، رغم أن مهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، إلا أنه يلزم قليل من التضحية والتنظيم وتنسيق الوقت واستغلاله وتحديد الأولويات، ومع هذا تستطيع طالبة الطب الزواج في سنّ مناسبة مع استكمال دراستها بعد الزواج والمحاولة الدائمة في تحقيق النجاح على المُستويَين العلمي والمهني، والمستوى الأسري والعائلي.
والله ولي التوفيق.
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر