من المؤسف أن يتعلم النشء لغة أجنبية قبل أن يتعلم لغته العربية السليمة وهي لغة القرآن، بسبب حرص كثير من أولياء الأمور في وقتنا الحالي على تعليم أبنائهم بمدارس إنترناشونال، مع العلم بأن تعزيز دور اللغة العربية لدى الأطفال يبدأ من المدرسة، ثم بعد ذلك يأتي دور المجتمع في تلقين وتعليم آدابها ومعانيها لدى النشء، فالحديث بها مع العائلة والأصدقاء في الحياة العامة يعلم الطفل مخرجات اللغة السليمة، والحديث بالعربية يعتبر من أقوى وسائل تمكينها في المجتمع والحياة العملية.
والتعلم اليوم بات مسألة تتجاوز المدرسة إلى بقية الوسائط الاجتماعية، وأصبح من الصعوبة بمكان التحكم فيما يستمع إليه الأطفال من برامج التلفاز ومن المحيط الذي يعيش به؛ لأن هناك تقاطعًا ثقافيًا مع ثقافات كثيرة كان في الماضي يتم على مستوى قريب من الطفل كمنزله وأفراد عائلته والحي الذي يعيش فيه، إلا أن الأطفال اليوم يتعاملون مع الكثير من وسائل التعليم من محيطهم عبر «الآيباد» فقد أصبحوا يستمعون ويتعلمون الكثير من الشبكة العنكبوتية بالعربية ولغات أخرى أجنبية.
وفي اعتقادي أن المرحلة الابتدائية هي مرحلة تأسيس بالنسبة للطفل في سنه المبكرة التي يبدأ فيها تشكيل شخصيته وانتمائه، ولذلك فإن التركيز في هذه المرحلة ينبغي أن يكون على الثوابت وأهم الثوابت في هذه المرحلة الدين واللغة العربية، أما اللغة الأجنبية ليست ثابتًا من ثوابتنا وليس من الضروري أن يتعلمها في وقت مبكر فنساوي بينها وبين لغته الأم ونجعل الطفل منذ الصغر مرتبطًا بلغة غير لغته، تمثل ثقافة ليست ثقافته، مما يشوش على الطفل ويربكه لغويًا وعاطفيًا ويزعزع ثقته بلغته العربية الأم.
ولا شك أن الإسراع في اتخاذ قرار بتعلم الطالب لغة غير لغته العربية في وقت مبكر -قبل أن يتقن لغته العربية نطقًا وكتابة- هو قرار غير موفق وغير رشيد لأن آثاره على الطالب بل على الأمة العربية مدمرة، لأن هناك جيلًا عربيًا قادمًا لا يتحدث العربية ولا يفهمها، فالآباء والأمهات بحسن نية صنعوا أبناء وبنات تائهين ضائعين يخجلون من هويتهم ولا يملكون هوية غيرهم لأنهم أهملوا لغتهم ولم يلتفتوا إليها.
وتعد التنشئة السليمة -التي تقوم الأسرة بالجزء الأكبر والأهم منها- مهمة لنمو أفراد خالينَ من الاضطرابات النفسية والشخصية، ومتكيفين بشكل سليم مع محيطهم، ومنسجمين مع القيم والمعايير الأخلاقية والمجتمعية، فإن أسلوب التربية المتبع داخل الأسرة له انعكاساته سلبًا أو إيجابًا على سلوك الفرد وقِيمه وطرق تعامله مع الأفراد والمجتمع وتفاعله معهم، حيث أعطى الدين الإسلامي الأسرة قدرًا كبيرًا من العناية والاهتمام واعتبرها نواة المجتمع وقاعدته الأساسية، وحث على بر الوالدين والإحسان إليهما واحترامهما، وكذلك أمر الأبوين بالإحسان إلى الأبناء وتربيتهم على أخلاق وقيم الدين السمحة.
وتنبع أهمية العربية في أنها من أقوى الروابط والصلات بين المسلمين، فاللغة من أهم مقوّمات الوحدة بين المجتمعات، وقد دأبت الأمة منذ القدم على الحرص على تعليم لغتها ونشرها للراغبين فيها على اختلاف أجناسهم وألوانهم وما زالت، فالعربية لم تعد لغة خاصة بالعرب وحدهم، بل أضحت لغة عالمية يطلبها ملايين المسلمين في العالم اليوم لارتباطها بدينهم وثقافتهم الإسلامية، كما تتجلى أهمية العربية في أنها المفتاح إلى الثقافة الإسلامية والعربية، ذلك أنها تتيح لمتعلمها الاطلاع على كم حضاري وفكري لأمّة تربّعت على عرش الدنيا عدّة قرون وخلّفت إرثًا حضاريًا ضخمًا في مختلف الفنون وشتى العلوم.
والله ولي التوفيق،،،