تسجيل الدخول

1 1 1 1 1 1 1 1 1 1 التقييم 0.00 (تقييمات 0)

تشدّني عبارة أمير الشعراء أحمد شوقي: «قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا.. كادَ المُعلّمُ أن يكونَ رسولا»، ولكن التبجيل القائم على الاحترام المُتبادل بين المُعلم والطالب، من خلال نشر ثقافة الحوار في مدارسنا لتقصير حاجز الفجوة بين المُعلم والطالب وتعويده على الحوار، والاطلاع على كل ما يُعانيه من مشاكل اجتماعيّة وما لديه من مواهب.

قرأت مؤخرًا عن مُعلمة أمريكية بمدرسة في مدينة دنفر بولاية كلورادو، تُدعى كايتي شوارتز رأت أن هناك فجوةً كبيرةً بينها وبين طلابها الصغار، والأخطر أن هذه الفجوة تزداد تدريجيًا، ما جعلها تعمل على حل يُقرّبها منهم، فأعدّت مشروعًا صغيرًا بعنوان: «أتمنى لو معلمتي عرفت» يرتكز هذا المشروع على تسليم طلابها ورقة معنونة بسؤال: «ماذا تريد أن أعرفَ عنك؟» فصدمت المُعلمة بالإجابات التي تلقتها من طلابها.

أحد الأطفال يقول: «أتمنى لو مُعلمتي عرفت أنني لا أملك أصدقاء ألعب معهم» وآخر يقول: «أتمنى لو مُعلمتي عرفت كم أشتاق إلى أبي، أذهب إلى غرفته كل يوم ولا أجده ولن أجده فقد رحلوه إلى المكسيك نهائيًا وسأظل بلا أب»، وثالثة كتبت: «أتمنى لو معلمتي عرفت أنني لا أملك أقلام رصاص في المنزل حتى أؤدي واجباتي الدراسية»، وكتب رابع: «أتمنى لو مُعلمتي عرفت أن شقيقتي كفيفة وأقوم بمُساعدتها طوال اليوم»، أما إحدى الطالبات فقد ردّت على سؤال المُعلمة قائلة: «أتمنى لو مُعلمتي عرفت أن أمي وأبي يتشاجران طوال اليوم، أكره العودة إلى المنزل وأكره الذهاب إلى المدرسة أيضًا لأني سأحاسب على دروس لم أذاكرها وواجبات لم أقم بها»، كانت إجابات الطلاب العفوية والصادقة مفتاحًا للمُعلمة لتكتشفَ جوانب خفية ومخبوءة في حياة تلاميذها، ساعدتها على مُساعدتهم وعودتهم تدريجيًا إلى فصولهم، وقد شرعت المُعلمة في حل كل مشكلة من مشاكل طلابها على حدة.

زارت منازل طلابها وبدأت في مُعالجة ما يمكن مُعالجته، والأهم من ذلك كله أنها بدأت تفهم عقلية وخلفية طلابها جيدًا وفي ضوء ذلك قامت بمُعاملتهم وتوزيع واجباتهم بناءً على ظروفهم وتحدياتهم بشكل يجعل المدرسة عاملًا مُساندًا لا عبئًا عليهم، ومشروع المُعلمة كايتي انتقل إلى كثير من المدارس وتم تطبيقه بشكل ممنهج ومؤسس انعكس على أداء الطلاب والمدارس معًا، بل امتد إلى المُجتمعات المُحيطة؛ لأن كل هؤلاء الطلاب جزء من مُجتمعهم الأكبر، ليست مدارسنا فحسب التي تحتاج إلى تبني هذه الفكرة الجميلة التي تردم الهوة بيننا وبين الآخرين، بل كل مُجتمعاتنا، بحاجة إلى نشر الحوار وفهم الآخر واحترام بعضنا البعض في مُناقشاتنا وحوارنا بين جميع الأطراف، دون النظر إلى الفوقية أو المراتب وتربية أبنائنا على هذه المبادئ في المدرسة، وعدم الازدواجية بين المدرسة والبيت والشارع لدى الطالب. ومن خلال هذا المقال أطالب المُعلمين والمُعلمات بتفعيل دور الأنشطة الثقافية واللا منهجية في نشر الحوار بين المُعلم والطلاب مع بعضهم بعضًا، والتركيز على طلاب الصفوف الأولى كونها الأساس لبناء وغرس مبدأ الحوار وتعويدهم على ذلك، الأمر الذي يتطلب وضع مُفردات الحوار ومبادئه في المنهج الدراسي، وجعلها مادة تُدرس للمُعلم المؤهل وإطلاعه على كيفية نشر مبدأ الحوار بين الطلاب، وهو من باب تأهيل المُعلم والمُعلمة ليكونوا قادرين على إدارة الحوار ونشره بشكل صحيح بين الطلاب، وتكمن أهمية الحوار في اكتشاف مواهب ومهارات الطلاب وتنمية العلاقات الاجتماعية، الأمر الذي يؤثر فعليًا في فهم الطالب وحبه للمادة وما ينتج أيضًا من تفاعله مع مبدأ الحوار وغرسه في داخله وتأسيسه على هذا المنهج، الذي يوضح ضرورة التكامل بين المُجتمعات لنشر ثقافة الحوار بين الأفراد.

والله ولي التوفيق،،،

 

 

أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر