أستعجبُ كثيرًا من حال أولئك الأشخاص الذين يتخذونَ من منصاتِ التواصل الاجتماعي وسيلةً للإساءة للغير أو التنمُّر عليهم، في حين أنَّ مُعظم المُتنمّرين يتخفّون وراء أسماء وحسابات مُزيّفة، لإلحاق الإساءة بالضحايا عبر المنصات الرقميَّة الحديثة، سواء من خلال التعليقات الكتابية أو الصور أو مقاطع الفيديو التي تُقلل من شأنهم وتُثير السخرية منهم.
وعلى الرغم من أنَّ التكنولوجيا الرقميَّة أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في مُكافحة الجريمة، إلا أنَّها فتحت أبوابًا عديدةً للتنمُّر الإلكتروني، الذي تعتبر مُكافحتُه مسؤوليةً مُجتمعيةً تقعُ على عاتقِ الجميع، وتحتاجُ إلى تضافر المؤسَّسات المُختلفة، مثل الإعلام بمُختلف قنواته، لمُحاربة هذه الآفة التي تُهدد النسيجَ الاجتماعي، لذلك يجب توعية المُجتمع بالمسؤولية المُشتركة، التي تقعُ على جميع أفرادِه والمُتنمّرين والضحايا أنفسهم، وأيضًا شهود وقائع التنمُّر، بالإضافة إلى مواكبة التشريعات القانونية لأساليب التنمّر الحديثة، التي يمكن أن تستهدف جميع فئات المُجتمع.
وفي العصورِ السابقةِ، كانَ إبداءُ الرأي ونشره حقًا حصريًا لمن يملك مساحةً إعلاميةً ما، ولهذا انفرد النقَّاد والصحفيون ومُقدّمو البرامج التلفزيونية بهذا الحق، اليوم أصبح هذا الحق مُتاحًا للجميع بفضل السوشيال ميديا، وأصبح بالإمكان أن يصل صوت هذا الجمهور لكل المشاهير سواء كانوا رياضيين أو فنانين أو حتى سياسيين وغيرهم من نجوم المُجتمع، لذلك يجب التذكير بالأنظمة والقوانين من قِبل النيابة العامة، الأمر الذي من شأنِه أن يحفظَ الحقوق في المُجتمع بصيانة الحياة الخاصة لجميع الأفراد، خصوصًا أنَّ بعض الأشخاص قد لا يعي أنه «يخالف النظام ويتسبّب بالضرر لغيره من خلال استعمال الهواتف الذكية باستخدام أساليب الاستهزاء والسخرية أو الإثارة العامة»، باعتبار أنَّ سبيل المُجتمعات للتطور والرقي والرفاهية في جميع المجالات هو الالتزام بالأنظمة والقوانين التي من شأنها أن تكفلَ الحياة السعيدة للفرد والمُحافظة على خصوصيته من العبث، وكثير من الدول المُتقدمة كان النظام هو جوهر تقدمها.
ومن المُلاحظ في الآونة الأخيرة، أن مواقع التواصل الاجتماعي، أضحت ساحةً لتصفية الحسابات ومنبرًا للسب والشتم والقذف والإساءة للآخرين، وتحوَّلت هذه المنصّات الرقمية من مساحة للتعبير عن الرأي إلى معارك ونزاعات وعدم احترام للرأي الآخر، حيث تزايدت المنشورات المُسيئة بين المُغرّدين، وكأن التعبير عن الاختلاف في الرأي- الذي يفترض ألا يُفسد للود قضية- لا يمكن طرحه إلا بتعابير مُخلّة تُشير إلى تدني المُستوى الأخلاقي.
مع العلم بأنَّ التعبير عن الرأي أمر طبيعي وحق مكفول في حُرية الإنسان، ولكن نشر كلمات عدائية ومُبتذلة والجهر بالسوء وقذف الآخرين والتشهير بهم دون أي أدلة، لا يكفله أي حق أو دين، فهناك ضوابط وقواعد وقوانين يجب التزامها، فالمكتوب أشد توثيقًا وتثبيتًا من المنطوق وله أثر كبير في ترسيخ الثقافة والتأثير الاجتماعي، خاصةً لدى الأطفال الذين يستخدمون وسائل التواصل بشكل كبير.
وبالرجوع إلى الأسباب التي أدّت إلى الانحدار والتردي في مُحتوى منشورات السوشيال ميديا واستخدام الكلمات غير اللائقة أخلاقيًا في التعليقات نجد أن العالم الافتراضي مُتاحٌ للجميع وسهل الاستخدام من قِبل كافة الناس بغض النظر عن تعليمهم وتربيتهم ودوافعهم ومُستواهم الثقافي، فالجاهل أيضًا يملك حسابًا على منصات التواصل الاجتماعي يستطيع من خلاله نشر ثقافة الجهل وزرعها بين الناس.
ختامًا لا بدَّ من التمسك بالأخلاق لأنها سبب بقاء واستقرار الدول وتقدمها وازدهارها، فالأمم تضعف إذا ما تراجعت فيها الأخلاق وتهاوت القيم والمبادئ الراسخة، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: «وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ.. فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا».
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر