تشرّفت الأسبوع الماضي بحضور فعالية «منتدى المُنظمة الإسلاميّة للأمن الغذائي للسلع الاستراتيجيّة وسلامة الغذاء» الذي نظم بفندق شيراتون الدوحة، وهي الفعالية الأولى للمنظمة التي تُنظم بصفة حضوريّة، منذ ظهور جائحة كورونا «كوفيد-19»، بعد أن نظمت جميع الفعاليات السابقة عبر تقنية الاتصال المرئي.
ومما لا شك فيه أن قضية الأمن الغذائي، تحتل صدارة أولويات دولة قطر على المستوى التنموي، لأنها ركن أساسي من أركان الأمن والاستقلال الاقتصادي للدولة، وركيزة مهمة لتأمين الاحتياجات بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنيّة، الهادفة إلى جعل دولة قطر بحلول عام 2030 دولة متقدّمة قادرة على تحقيق التنمية المُستدامة، وتأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلًا بعد جيل، فقد جاءت الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي (2018-2023) بهدف توحيد جهود الجهات المعنية بهذا القطاع، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والمائية للدولة، وتحصين منظومة الأمن الغذائي ضد الصدمات في حالات الطوارئ الجارية الآن، وتحديد أولويات مُبادرات ومشاريع الأمن الغذائي، وحماية وتعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين جودة وسلامة الغذاء، وتوفير مخزون استراتيجي آمن وصحي.
وبالنظر إلى الإحصائيات الدولية الصادرة مؤخرًا، سنجد أن قطر تحتل المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية، في مؤشر الأمن الغذائي العالمي للعام «2021» (GFSI)، وفقًا للتقرير الصادر عن وحدة «إيكونوميست إنتليجنس» للأبحاث التابعة لمجلة الإيكونوميست البريطانية، ولقد قفزت دولة قطر 13 مركزًا على المستوى العالمي في نسخة «2021» ـ حيث احتلت المرتبة 24 عالميًا في القائمة التي تضم 113 دولة، بعد أن كانت بالمرتبة 37 في نسخة العام 2020، ويعود ذلك إلى أن الدولة استثمرت بشكل كبير في السياسات الغذائيّة والزراعيّة والبنية التحتية وتحديثات السوق والموانئ واحتياطيات التخزين، كما زادت الاهتمام بمجال بحوث الأمن الغذائي وأنشأت صندوقًا لرعاية البحوث الزراعيّة والغذائيّة.
لكن الأمن الغذائي لن يتحقق بشكل كامل، ما لم تهتم الجهات المعنية بوسائل الإنتاج الزراعي، من ناحية التوسع في استخدام التقنيات الحديثة في الري والزراعة، وزيادة الدعم المُخصص لأصحاب المزارع المُنتجة، وتحويل جميع البيوت المكشوفة إلى بيوت محمية مغلقة مُنتجة طوال العام، وإلزام أصحاب المزارع غير المُستغَلة بتحويلها إلى مزارع منتجة، وتوصيل البنية التحتية التي تشمل شبكتي المياه والكهرباء إلى كافة مزارع قطر.
كما يتطلب الأمر في الوقت الراهن إصدار تشريعات وقوانين لحماية المُنتج المحلي ليحصل على فرصته في السوق مثل المنتج المستورد، فضلًا عن تسهيل إجراءات الحصول على تراخيص إقامة المزارع وآبار المياه، وفتح حوار مع أصحاب المزارع المحليّة لاستطلاع آرائهم وتطلعاتهم في خُطة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعيّة، باعتبارهم عنصرًا أساسيًا في توفير عنصر الأمن الغذائي، خاصةً في ظل الوضع الراهن لأصحاب المزارع الذين يواجهون العديد من التحديات التي تعوق مسيرة القطاع الزراعي.
وكذلك تسهيل عملية سداد قروض بنك التنمية للمزارعين، حيث يحرص البنك في ظل الاهتمام الذي توليه الدولة لخدمة المزارعين ومربّي الثروة الحيوانيّة، على وضع برامج تمويلية تستهدف دعم منظومة الأمن الغذائي من خلال توفير تمويلات ميسّرة لمشاريع القطاع الزراعي بمَا يساهم في العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بمنح تمويل لأصحاب المزارع والعزب، بهدف تشجيع المزارعين على النهوض بحجم إنتاجي أفضل، بالإضافة إلى إنشاء بيوت محمية واستخدام أنظمة ري حديثة.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر